مقالات
غزوة بدر الكبرى
يتجدد الاحتفال بتاريخ أول انتصار للمسلمين ضد المشركين في السابع عشر من شهر رمضان من كل عام، نحتفل بذكرى غزوة بدر الكبرى أولى المواجهات الفاصلة في قيام الدولة الإسلامية بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد كان لهذا الانتصار العظيم أسباباً كثيرة ودروساً مستفادة للفرد وللجماعة، كما تلاه فتوحات متتالية وأهمها بالتأكيد فتح مكة أو الفتح الأعظم في العام الثامن من الهجرة، ولكن تظل ذكراه تبعث في أنفسنا الفرحة بإعلاء كلمة الحق في أولى الغزوات.
سنتحدث اليوم عن أسباب قيام غزوة بدر بين المسلمين وكفار قريش، وأسباب نصر المسلمين والدروس المستفادة من هذا النصر العظيم، كما سنذكر بعض النتائج التي ترتبت على هذا الانتصار في شهر الرحمة والمغفرة، فهيا بنا نتعرف سوياً في إيجاز بسيط.
سُميّت غزوة بدر بهذا الاسم نسبة لمكان حدوثها حيث وقعت في وادي بدر- بين مكة والمدينة المنورة- وهو محطة أساسية للمسافرين شمال الحجاز، ويشتهر هذا الوادي أيضاً بوجود بئر مياه بدر.
وسماها المولى عز وجل يوم الفرقان لأنه فرق بها بين الحق والباطل، فقال تعالى في سورة الأنفال (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وكانت غزوة بدر حدثاً فاصلاً في تاريخ الدولة الإسلامية؛ لما لها من عظيم الأثر آنذاك في إعلاء كلمة الحق ورفعة شأن المسلمين وتمكينهم بعد كل ما جناه كفار قريش في حقهم قبل الهجرة وبعدها.
ووقعت الغزوة في صبيحة يوم الجمعة في السابع عشر من شهر رمضان المبارك في العام الثاني من الهجرة، ذلك اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام والمسلمين وأذل المشركين، مع قلة عدد المسلمين في هذا اليوم فكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيهم فرسان وسبعون بعيراً والباقون مشاة، بينما كانت أعداد العدو أكثر فكانوا بين التسعمائة إلى الألف في كامل عدتهم واستعدادهم وخيولهم المسومة، قال تعالى في سورة آل عمران (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ).
1: خوف كفار قريش من انتشار الدعوة الإسلامية: بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء أول مجتمع مسلم في المدينة المنورة بين المهاجرين والأنصار وبدأت أعداد المسلمين تزداد، فزاد رعب كفار قريش من انتشار الدعوة وما سينتج عنه من تهديد لتجارتهم وامحاء لمعتقدات الشرك لديهم.
2: الصراع الدائم بين الحق والباطل: لم يكف الكفار عن أذى المسلمين حتى بعد الهجرة، فوجود النبي صلى الله عليه وسلم وزيادة أتباعه يوماً بعد يوم كان الحق الذي لم يرد الكفار أن يصدقوه ويتعاملون معه، فكانت محاربة الدعوة وكل من يتبعون دين الإسلام هو أهم الأمور التي كانت تشغل بال قادة قريش، ووقتها حان وقت الرد واسترداد الحقوق ضد كل من سولت له نفسه إيذاء وسلب حقوق المسلمين في هذا الوقت.
3: رغبة المسلمين في استرداد حقوقهم وديارهم المنهوبة في مكة بعد هجرتهم للمدينة.
4: رغبة المسلمين في إضعاف قوافل قريش التجارية التي تمر بالقرب من المدينة، وذلك بعد تعرضهم للإيذاء ونهب الأموال والبيوت من قبل.
1: مقتل أهم قادة قريش: قُتل في هذه الغزوة أمية بن خلف أحد قادة قريش الذي طال آذاه الكثير من المسلمين وأولهم سيدنا بلال بن رباح مؤذن الرسول، كما قُتل أبو جهل وعبيدة بن سعيد بن العاص وغيرهم من القادة المعادين لرسول الله.
2: زيادة قوة المسلمين: لقد كان لهذا النصر العظيم أثر كبير في حياة المسلمين وغير المسلمين؛ فقد أصبح للمسلمين قوة يرهبها العدو ولا يستهين بها أبداً.
3: استرداد جزء من أموال المسلمين المنهوبة: عانى أوائل المسلمين من كفار قريش أشد العناء؛ فلم يكتفِ المشركون بتعذيبهم بل قاموا بسلب بيوتهم وأموالهم في مكة، وبعد غزوة بدر استرد المسلمون جزء من أموالهم المنهوبة.
4: ارتفاع شأن المسلمين: بعد أن ذاعت أخبار نصر المسلمين وبسالتهم في القضاء على شوكة الكفار بين القبائل، كما زادت أعداد الداخلين في الإسلام بعد هذا النصر المبارك.
5: ثبات المسلمين على عقيدتهم: تيقن المسلمون بعد غزوة بدر أن النصر بيد الله، فهم من بعد ضعف في قوة ونصر وثبات فزادهم هذا الأمر إيماناً وثباتاً على دينهم.
ما هي الدروس المستفادة من غزوة بدر؟
عند التأمل في أحداث غزوة بدر نجد العديد من العبر والدروس العظيمة التي تعلمنا وتزيد من إيماننا بالله ورسوله، ومن أهم هذه الدروس الآتي:
1: تأكيد مبدأ الشورى: إن الشورى بين المسلمين مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية في الأساس، وجائت غزوة بدر فأكدت هذا الأمر في صورة جلية، ورأى الجميع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائد والنبي يستشير أصحابه في أمور كثيرة مثل استشارتهم في أمر الأسرى، وأمر الخروج لملاحقة العير وغيرها، فتأكد الجميع أن التعاون والشورى بين الجميع يعود بالنفع والخير للمجتمع المسلم ويرفع من شأنه وعزته وتمكينه.
2: تقوى الله: جاء النصر في هذه المعركة الكبيرة بالتأكيد على أن تقوى الله وطاعته والامتثال لأوامره أحد أهم أسباب تحقيق النصر، فجميع الأسباب الدنيوية لا توحي بأن النصر سيكون حليف المسلمين، ولكن الإخلاص أثناء المعركة والتوكل على الله والأخذ بجميع الأسباب الممكنة وتجهيز النفوس وإعداد العدة تؤكد أن تقوى الله سبباً في تحقيق النصر، يقول المولى عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } ( الفرقان : 29 )، وقوله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين، ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس } ( الأنفال : 45-47 ) =، وقوله سبحانه : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } ( الأنفال : 60 ).
3: أهمية الدعاء: إن الدعاء عبادة يغفل عن أهميتها الكثير، ولو تأملنا دعاء الرسول وأصحابه واللجوء لله في هذا الوقت مع الأخذ بالأسباب لرأينا عظمة دور الدعاء في تحقيق هذا النصر المبارك، فمع قلة أعداد المسلمين مع زيادة أعداد المشركين ثبت الله المؤمنين وأمدهم بالملائكة التي ساندتهم في مدد إلهي عظيم.
4: تحقيق المساواة: علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن المساواة بين القائد والجنود أثناء الحرب كانت أحد أسباب النصر، فتشارك الجميع في جميع الظروف حيث أصر النبي على مشاركة على بن أبي طالب وأبي لبابة في المشي، فتحقق العدل والمساواة بين الجميع.
5: تحقيق مبدأ عدم المحاباة: واتضح ذلك عند إصرار النبي صلى الله عليه وسلم على أخذ الفدية كاملةً من عمه العباس، فعندما يتعلق الأمر بالدين فلا مجاملة لأي شخص.
01024076008