مقالات
حبيس جدران الغرفة!..هل تعلم ما هو الرهاب الاجتماعي؟
لن أذهب يا أمي، لن استطيع..
أنا لا أحب التجمعات أبداً، حدث يعقبه حدث ومناسبة تلو الأخرى وأنا أشعر بالحرج والتوتر الشديد من تلك النظرات والتساؤلات، أشعر بأن جميع من حولي يتفحص تعابير وجهي وأن نظراتهم ترمق كالسهام في قلبي، ومن ثم أشعر بألم في مناطق شتى في جسدي.
لم أجد نفسي سوى هنا ـ بين جدران تلك الغرفة ـ وحدها التي أشعر فيها بالثقة والراحة من تقييم الآخرين لأفعالي وما أتفوه به من كلمات، هنا فقط أستطيع أن أتحدث دون خلل في مخارج حروفي، أستطيع أن أعبر عما يجول بخاطري بعفويتي دون أن يتلعثم لساني.
كانت تلك الكلمات لفتاة في مقتبل العمر، آثرت الانعزال حتى تتخلص من تلك الأحاسيس المزعجة ولم تجد من يتفهم ما تمر به، إنه اضطراب الرهاب الاجتماعي بكل وضوح.
دعني في هذا المقال أتحدث عن ذلك الاضطراب، وما هي أسبابه، وهل له علاقة بمرض الاكتئاب أم لا، وما هو الحل للتغلب عليه؟
هو نوع من اضطرابات القلق، ويسمى أيضاً (القلق الاجتماعي) ويتعلق بالخوف المستمر من المواقف الاجتماعية، وتجنب وجود الشخص بين الناس وخاصةً إذا كان لا يعرفهم من قبل، والشعور بالضيق الشديد من حديثهم أو مجرد النظر إليه، وهي مشكلة شائعة تبدأ عادة خلال سنوات المراهقة ويمكن أن يكون الأمر مؤلماً للغاية وله تأثير كبير على حياتك.
ويختلف الرهاب الاجتماعي عن الخجل في كونه مستمر لفترات طويلة و يؤثر سلباً على حياة الشخص، وإن لم يتعافى منه الشخص سيؤدي إلى تأخير في حياته العملية والشخصية ويمكن أن يؤدي إلى مضاعفات نفسية مؤلمة.
بينما الخجل هو شعور مؤقت وطبيعي عند بعض الأشخاص، ويرتبط بكون الفرد وسط مجموعة لا يعرفهم، و بالتدريج يتعامل الشخص الخجول بشكل طبيعي جداً.
احمرار الوجه.
ارتجاف الأطراف.
زيادة معدل ضربات القلب.
الشعور بالتلعثم وعدم التركيز.
زيادة سرعة التنفس.
الشعور بالغثيان.
الشعور بجفاف في الحلق.
اضطراب في المعدة.
الشعور بالإغماء أو الدوخة.
تصارع الأفكار السلبية في الرأس.
الشد العضلي.
التعرق الشديد.
النقاش مع الكثير من الأشخاص مثل ما يحدث في الحفلات أو التجمعات العائلية.
التحدث مع شخص ذو سلطة.
التحدث مع أشخاص جدد.
إبداء الرأي للآخرين أو إلقاء كلمة في محاضرة مثلاً.
التحدث في الهاتف.
الذهاب للتسوق.
الذهاب إلى مقابلة عمل.
استخدام دورة المياه العامة.
وتلك المواقف اليومية التي نعتادها جميعاً تمثل مخاوف كامنة لمن يعاني من القلق الاجتماعي، فيشعر أنه تحت دائرة الضوء دوماً ومن ثم يفقد تركيزه ويشعر أن عقله أصبح فارغاً تماماً.
مثل العديد من الحالات النفسية الأخرى، من المحتمل أن ينشأ اضطراب القلق الاجتماعي من مزيج بين العوامل البيولوجية والبيئية، وتشمل الأسباب المحتملة ما يلي:
الصفات الوراثية: من الممكن أن يحدث انتقال القلق الاجتماعي بين أفراد العائلات، ولم يثبت السبب الحقيقي أكان جينياً أو نتيجة اكتساب السلوك.
الخلل الهرموني: يعاني الأشخاص المصابون بفرط نشاط اللوزة الدماغية من استجابة للخوف بشكل متزايد، مما يؤدي إلى زيادة القلق في المواقف الاجتماعية.
الجانب الاجتماعي: مثل إساءة معاملة الوالدين للطفل وتحقيره أمام الناس، وكذلك تعرضه للتنمر منذ الصغر الذي يفقده الثقة في النفس، والتعرض للاعتداء الجسدي أو الجنسي، والخذلان والحرج بعد مواقف اجتماعية معينة في الصغر.
تكمن مخاوف من يعاني من الرهاب الاجتماعي في:
الخوف من أن يلاحظ الآخرون الأعراض الجسدية للقلق، مثل الاحمرار والتعرق والتلعثم.
الخوف من أن تبدو غبيًا أو ضعيفاً.
الخوف من الظهور بمظهر هادئ وممل.
الخوف من الحكم عليك أنك غير ملائم اجتماعياً.
إذا تُرك هذا الاضطراب دون علاج فيمكن أن يؤدي إلى:
انخفاض التحصيل الدراسي.
تراجع المستوى المهني.
الحساسية المفرطة للنقد.
العزلة وضعف العلاقات الاجتماعية.
شحن العقل بالأفكار السلبية.
انعدام الثقة في النفس.
الشعور بعدم احترام النفس.
اللجوء لتعاطي المخدرات وشرب الكحوليات.
الشعور بالإحباط واليأس.
محاولة الانتحار.
عادةً ما يسبب الرهاب الاجتماعي الاكتئاب، حيث أثبتت العديد من الدراسات عام 2014 أن نسبة كبيرة تصل إلى 70% من الأشخاص الذين تم تشخيصهم بكل من هذين الاضطرابين، أن الرهاب الاجتماعي يأتي أولاً ثم الاكتئاب.
وفي معظم الأحيان نجد أن بعض الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي لديهم أيضًا تاريخ من التنمر أو الرفض أو التجاهل، وهذه التجارب المؤلمة يمكن أن تؤثر على احترامك لذاتك وثقتك بنفسك وتثير الاكتئاب لاحقًا.
وقد يحدث العكس في أحيان أخرى، فيمكن أن يحدث القلق الاجتماعي أيضًا كعرض من أعراض الاكتئاب.
يضع الطبيب خطة العلاج والتي تختلف على حسب حالة المريض ويشمل العلاج:
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يهدف العلاج السلوكي المعرفي إلى مساعدة الذين يعانون من القلق على تغيير طريقة تفكيرهم وشعورهم وتصرفهم في المواقف الاجتماعية، من خلال التثقيف حول طبيعة ذلك الاضطراب، وتحدي الأفكار والمعتقدات الخاطئة وتغييرها، وأنه لا بأس من المحاولة في كسر حاجز التجربة، وأن النظرات لا تقتل وحكم الناس علينا لا يعني بالطبع الحقيقة.
التدريب على اكتساب المهارات الاجتماعية
وعادة ما تنجح هذه الطريقة في مجموعات الدعم المعنوي، حيث يجد المريض نفسه وسط من يعاني مثله وهنا يقل التوتر بالتدريج ويبدأ في اكتساب الثقة بالنفس مجدداً.
العلاج بالأدوية: يمكن لبعض الأدوية المضادة للاكتئاب أن تساعد في العلاج، مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ، كما يمكن العلاج بحاصرات مستقبلات بيتا للمساعدة في علاج بعض أعراض القلق الاجتماعي.
ممارسة الرياضة وخاصةً التأمل والمشي، فهي تقلل من إحساس القلق والتوتر.
الحصول على قدر كافي من النوم والحرص على النوم مبكراً.
تقليل شرب المنبهات والتي تحتوي على مادة الكافيين.
الابتعاد عن تعاطي النيكوتين والمواد المخدرة والكحوليات.
الاسترخاء بعد يوم دراسة أو عمل طويل يساعد على تقليل التوتر.
اللجوء للطبيب النفسي عندما تزداد أعراض القلق عن المعتاد.
أيها القارئ/ أيتها القارئة إذا كنت ممن يعاني من الرهاب الاجتماعي، عليك أن تخرج من تلك الغرفة المظلمة فوراً، ما زالت هناك أشياء جميلة تنتظرك، وإن لم تستطع فاذهب لطبيبك ولا تجعل القلق يفتك بروحك مجدداً، افعل ما شئت ما دمت لا تغضب الله ومارس حياتك بعفويتك وبكل بهجة، لا تأبه لأفكارك السلبية وانظر دائماً إلى الأمام، واعلم أيضاً أن اعتزال الحياة الاجتماعية لتجنب مصدر القلق يُريحك على المدى القصير ولكنه لن يحل المشكلة الأساسية، لا تخشى النقد وانطلق في حياتك وتأكد أن الله عز وجل وحده هو من أحق أن نخشاه وليس أي شخص أياً كان.
