مقالات
آداب الصيام الواجبة والمستحبة
بشراكم أتاكم شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعليكم أعوام عديدة وأزمنة مديدة، فيالها من نعمة تستوجب الشكر للخالق عز وجل أن بلغنا رمضان، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرح بقدوم الشهر الكريم ويبشر أصحابه، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه: قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم. انتهى، وصححه شعيب الأرناؤوط.
ولكي نفوز بخير رمضان علينا أن نتعلم آداب الصيام ونتحلى بها، علينا أن نجدد النية بالتوبة والعزم على عدم العودة للذنوب كل يوم، وعلينا أن نجتهد فيه لنفوز بليلة هي خير من ألف شهر وهي ليلة القدر.
سنتحدث في مقالنا اليوم عن أهم آداب الصيام الواجب منها والذي لا غنى عن الالتزام به، و الآداب المستحبة التي ترفع من درجة الصائم وأجره فهيا بنا نتعرف سوياً.
إن الأدب في القيام بالعبادات هو سبيل النجاح في الدنيا والآخرة، ولكل عبادة آداب واجبة للقيام بها على وجه صحيح؛ فللصلاة آداب، وللدعاء آداب، وللصيام آداب، وللحج آداب، ومن أهم آداب الصيام الواجبة الآتي:
1: أداء الصلاة المفروضة: يجب أن يحافظ الصائم على القيام بأهم العبادات المفروضة ألا وهي الصلاة، فالصلاة هي عماد الدين وهي أول ما يُحاسب عليه العبد، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ)، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي "، ومن أهم آداب الصيام الواجبة أن يصلي العبد الصلوات المفروضة في وقتها، وبكامل شروطها وأركانها، مع الحرص على الصلاة جماعة في المسجد.
2: حفظ الجوارح: إن اجتناب كل ما يغضب الله من قول وفعل من أهم آداب الصيام الواجبة، فالصائم لا يصوم عن الطعام والشراب فحسب بل عليه أن يحفظ جوارحه ويستخدمها في ما يرضي الله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ربَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش) رواه الإمام أحمد وابن ماجه بسند صحيح.
وحفظ جوارحه يكون كالآتي:
على الصائم أن يحفظ لسانه من الكذب والغيبة والنميمة وقول الفحش والشتائم البذيئة، وعليه أن يتجنب اللغو من الكلام ويبتعد عن أذى الناس والحديث عنهم، يقول صلى الله عليه وسلم: (الصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفُث، ولا يصخب, فإن سابَّه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) متفق عليه.
يجب أن يمتنع الصائم عن سماع المحرمات من المعازف وغيرها من المنكرات.
عليه أيضاً أن يغض بصره عن النظر لكل ما حرم الله.
عليه أن يحرص أن يكون مكسبه حلالاً خالصاً فلا يدخل بطنه إلا الحلال.
على الصائم أن يتجنب قول الزور والعمل به، يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
تجنب الغش في المعاملات سواء كانت معاملات اجتماعية أو تجارية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غَشَّنَا فليس مِنَّا).
3: إخلاص النية في الصيام: على الصائم أن يجدد نيته بأن صيامه وامتناعه عن الطعام والشراب لله فقط إيماناً بفرضية الصيام واحتساباً للثواب من الله وحده، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان إيمانا ً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
هناك العديد من الآداب المستحبة التي تزيد من أجر الصائم وترفع من درجاته، ومن أهم هذه الآداب اللآتي:
1: السحور: السحور هو تناول الطعام في وقت السحر للاستعداد للصيام، وأوصانا النبي صلى الله وسلم بأن نحرص على تناول السحور فقال (تسحروا فإن في السُّحور بركة) متفق عليه، ومن السنة أن نتأخر في تناول وجبة السحور حتى لو كانت شربة ماء فقط قبل الفجر.
2: تعجيل الفطر: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه، كما يجب أن يحرص على الدعاء عند فطره فهذا الدعاء مستجاب؛ عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين.
3: صلاة التراويح: صلاة التراويح هي سنة عن رسول الله، وهي جزء من قيام الليل وتُسَنُّ فيها الجماعة في المسجد، وهي من أهم آداب الصيام المستحبة في شهر رمضان؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه».
4: قراءة القرآن: يقول الله تعالى في سورة البقرة شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، فالحرص على قراءة وتدبر آيات القرآن الكريم هي أهم آداب الصيام المستحبة.
5: شكر الله على بلوغ الشهر: إن شهر رمضان هو نعمة كبيرة من الرحمن، وعلينا أن نحمد الله أن بلغنا إياه، عن طلحة بن عبيد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: «اللهم أهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله».
6: أداء العمرة: للعمرة في شهر رمضان أجر عظيم ومختلف عن باقي شهور العام؛ فعمرة شهر رمضان تُعادل حَجَّةً؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ: مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ؟ قَالَتْ: أَبُو فُلَانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا، كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ؛ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ: «فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً»،
7: عدم الإسراف في الطعام: إن رمضان هو شهر العبادة والتقرب لله وتدبر القرآن وليس الإفراط في تناول الطعام والمشروبات، والصيام لمدة ساعات طويلة لا يعني أن نفاجئ المعدة بأصناف كثيرة ومشروبات مختلفة حتى يمتلئ البطن وتقل العزيمة على العمل والقيام بالعبادات.
8: التنافس في فعل الخيرات: من أجمل الأرزاق التي يمكن أن يحظى بها الفرد هو وجود صحبة صالحة تعينه على فعل الخيرات، ورمضان هو شهر الخير والبر والتقوى وفيه علينا أن نتنافس معاً في إعداد الطعام وإفطار الصائمين، وتوزيع حقائب الخير لرقيقي الحال من الأسر المتعففة، والتبرع للفقراء والمرضى واليتامى، فهذه الأعمال تزيد من حسنات العبد وتكفر عنه سيئاته فيخرج من هذا الشهر المبارك فائزاً مسرورا.
9: عبادة الذكر: إن المحافظة على الأذكار اليومية مثل أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم، وكذلك ورد ثابت من الاستغفار والصلاة على النبي والتسبيح لفضل عظيم وعبادة يجب أن يحافظ العبد على القيام بها في شهر رمضان، فذكر الله يحيي القلوب ويملؤها سكينة ويحصن النفس، كما أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أوصانا بمداومة ذكر الله؛ فعن روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم, وأرفعها في درجاتكم, وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والوَرِق, وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟)، قالوا: بلى, فقال عليه الصلاة والسلام: (ذكر الله تعالى) رواه الترمذي والحاكم وصححه.